غرض الاستخدام: الاعتبار الأهم عند إنشاء أو تحسين الخصائص

في عالم التصميم وتطوير المنتجات، سواء كانت مادية أو رقمية، يُعد “غرض الاستخدام” أحد المفاهيم المحورية التي لا غنى عنها عند التفكير في إنشاء أو تحسين أي خاصية أو ميزة. فالمستخدم النهائي هو نقطة الانطلاق والهدف النهائي لكل ما يُبنى أو يُطوّر، وأي إغفال لهذا الاعتبار الأساسي يمكن أن يؤدي إلى فشل ذريع في قبول المنتج، مهما بلغت جودته التقنية أو جمالياته الشكلية. إن فهم غرض الاستخدام ليس مجرد عملية تحليلية، بل يمثل حجر الزاوية في منهجية تصميم متمحورة حول المستخدم تسعى إلى تحقيق التوافق التام بين توقعات المستخدم والوظائف المقدمة.

أولاً: مفهوم غرض الاستخدام

غرض الاستخدام (Purpose of Use) يُقصد به السبب العملي الذي يجعل المستخدم بحاجة إلى خاصية معينة أو ميزة محددة في منتج أو خدمة. لا يتعلق هذا المفهوم بما يمكن أن تفعله الخاصية، بل بكيفية توافقها مع السياق الذي يعيش فيه المستخدم واحتياجاته الفعلية. بعبارة أخرى، فإن غرض الاستخدام يعكس العلاقة الحقيقية بين “ما يُقدم” و”لماذا يُستخدم”، وهو ما يُحدد فعالية الميزة في تحقيق القيمة المرجوة.

ثانياً: الفرق بين غرض الاستخدام والمواصفات التقنية

من السهل الوقوع في فخ التركيز المفرط على الجوانب التقنية أو الجمالية عند تطوير المنتجات، غير أن هذه العناصر، رغم أهميتها، لا تضمن وحدها النجاح. فالميزة قد تكون متقدمة تقنياً لكنها لا تؤدي وظيفة ضرورية أو مفيدة للمستخدم، وبالتالي لا تحقق غرض الاستخدام المطلوب. الفرق الجوهري هنا هو أن المواصفات التقنية تُعنى بكيفية تنفيذ المهمة، أما غرض الاستخدام فيتعلق بسبب وجود هذه المهمة أساساً.

ثالثاً: أثر غرض الاستخدام في دورة حياة المنتج

يؤثر فهم غرض الاستخدام على مختلف مراحل دورة حياة المنتج بدءًا من الفكرة، مروراً بالتصميم، والتطوير، وحتى التسويق والتقييم. ويمكن تلخيص الأثر في النقاط التالية:

1. مرحلة البحث والتخطيط

في هذه المرحلة، يساهم غرض الاستخدام في تحديد أولويات التطوير. عبر دراسة سلوك المستخدمين وتحليل مشكلاتهم، يُمكن استخلاص الأغراض الفعلية التي تدفعهم لاستخدام المنتج أو الخاصية. يُستخدم ذلك في اتخاذ قرارات استراتيجية بشأن نوع المميزات التي ينبغي تطويرها.

2. مرحلة التصميم

تقوم تجربة المستخدم (UX) على فهم غرض الاستخدام بشكل دقيق. إذ لا يكفي تصميم واجهات جذابة، بل يجب أن تكون موجهة نحو تسهيل المهام وتحقيق الهدف المرجو بأقل جهد ممكن. كذلك، فإن تنظيم المكونات وتوزيعها داخل واجهة المستخدم يُبنى على أساس الأغراض المختلفة التي يريد المستخدم إنجازها.

3. مرحلة التطوير

في هذه المرحلة، يُستخدم غرض الاستخدام كمرجع لتحديد السيناريوهات البرمجية والتفاعلية داخل النظام. كما يُسهم في بناء هيكل بيانات يعكس الاستخدام الفعلي، لا الافتراضي، للخاصية.

4. مرحلة التسويق والتواصل

عند التسويق لمنتج أو خاصية جديدة، يُعد تسليط الضوء على غرض الاستخدام من أكثر عناصر الجذب فعالية. فالمستخدم يبحث دائماً عن إجابة على السؤال: “ما الذي سأستفيده من هذه الميزة؟”. وكلما كانت الإجابة واضحة ومباشرة، زادت فرص قبول الميزة واستخدامها.

5. مرحلة القياس والتحسين

حتى بعد إطلاق الميزة، لا ينتهي دور غرض الاستخدام، بل يتواصل عبر أدوات القياس والتحليل التي ترصد مدى استخدام الخاصية، وكيفية استخدامها، وما إذا كانت تحقق الغرض منها. وغالباً ما يؤدي هذا التحليل إلى إعادة تصميم أو تطوير بعض الخصائص لتتلاءم أكثر مع واقع الاستخدام.

رابعاً: أمثلة واقعية على أهمية غرض الاستخدام

1. خاصية البحث داخل التطبيقات

الغرض الأساسي من هذه الخاصية هو تمكين المستخدم من الوصول السريع إلى ما يريد. إن تحسين هذه الخاصية لا يقتصر على تسريع الأداء البرمجي، بل على فهم ما يبحث عنه المستخدمون فعلاً، وتقديم نتائج مرتبة وذات صلة حقيقية بهم.

2. إشعارات التطبيقات

رغم أنها تبدو خاصية بسيطة، إلا أن عدم وضوح غرض الاستخدام يؤدي إلى نتائج عكسية، كإزعاج المستخدم وتوقفه عن استخدام التطبيق. يجب أن تكون الإشعارات موجهة بدقة نحو حاجات المستخدم الفعلية، لا أن تُستخدم كأداة تسويقية عامة.

3. الاختصارات في برامج الإنتاجية

الغاية منها تسريع العمل وتسهيل التنقل بين المهام. لذلك يجب أن تُبنى بما يتناسب مع أنماط الاستخدام الشائعة، لا أن تكون مجرد إضافات تقنية لا يستخدمها أحد.

خامساً: تحديات تواجه فهم وتطبيق غرض الاستخدام

1. افتراضات خاطئة حول المستخدم

يخطئ كثير من المطورين عند افتراضهم أن المستخدمين سيتصرفون كما يتوقعون هم، في حين أن المستخدمين الحقيقيين قد يتفاعلون مع المنتج بطريقة مغايرة تماماً.

2. الاعتماد على التقييم الداخلي فقط

اختبار المميزات داخل فرق التطوير دون تجريبها فعلياً مع المستخدمين غالباً ما يؤدي إلى تجاهل غرض الاستخدام الحقيقي، وبالتالي إطلاق خصائص لا تلبي حاجة حقيقية.

3. الفصل بين التصميم التقني والاستخدام الإنساني

هذا الفصل شائع في المشاريع التي تُعطى فيها الأولوية للأداء والكفاءة التقنية على حساب فهم السياق البشري الذي تُستخدم فيه الميزة.

سادساً: كيفية ضمان تلبية غرض الاستخدام في تصميم الخصائص

1. التحليل المسبق للمستخدمين

يجب أن يبدأ كل مشروع تصميم بتحليل دقيق لأنماط الاستخدام، وتحديد الفئات المستهدفة، واحتياجاتها وسياقات استخدامها المختلفة.

2. استخدام النماذج الأولية (Prototypes) واختبارها

من خلال نماذج أولية قابلة للاختبار، يمكن تقييم ما إذا كانت الخاصية المقترحة تُحقق فعلاً غرض الاستخدام المستهدف، قبل إنفاق الوقت والموارد في تطويرها الكامل.

3. استخدام اختبارات A/B وتحليل البيانات

تُعد تجارب A/B أداة فعالة لفهم كيف يتفاعل المستخدمون مع نسخة معينة من الخاصية مقارنة بنسخة أخرى، ما يُسهم في تحديد الخيارات الأفضل لتحقيق غرض الاستخدام.

4. دمج التحسين المستمر بناءً على الملاحظات

يجب أن يُفتح الباب دائماً أمام تعليقات المستخدمين بعد الإطلاق، وأن يُنظر إلى كل ملاحظة أو نقد على أنه فرصة لفهم غرض الاستخدام بشكل أعمق.

سابعاً: غرض الاستخدام في سياق التصميم الشامل (Inclusive Design)

تكتسب فكرة غرض الاستخدام بعداً أكثر أهمية في السياقات التي تُراعى فيها احتياجات فئات متنوعة من المستخدمين، مثل كبار السن، أو ذوي الإعاقة، أو المستخدمين غير المتعلمين. إذ يجب أن تراعي الخصائص المُصممة فروقات المهارات والقدرات، وتُبنى بناءً على أغراض استخدام واقعية ضمن هذه السياقات. فمثلاً، لا يكفي أن تكون الميزة “موجودة”، بل يجب أن تكون “قابلة للاستخدام فعلياً” من قِبل جميع الفئات.

ثامناً: أثر غرض الاستخدام على رضا المستخدم وولائه

لا يقتصر تأثير غرض الاستخدام على مجرد أداء المهمة، بل يمتد إلى تشكيل الانطباع العام لدى المستخدم حول جودة المنتج أو الخدمة. المستخدم الذي يشعر أن المنتج “يفهمه” ويقدم له ما يحتاجه بدقة، غالباً ما يُصبح مستخدماً دائماً بل ومروجاً للمنتج. بينما المستخدم الذي لا يرى في المميزات قيمة حقيقية، حتى لو كانت متقدمة تقنياً، سيهجر المنتج سريعاً.

تاسعاً: العلاقة بين غرض الاستخدام واستدامة المنتجات

في ظل التوجه العالمي نحو تقليل الهدر وتطوير منتجات مستدامة بيئياً وتقنياً، فإن تصميم الخصائص بناءً على غرض الاستخدام يقلل من التعقيد غير الضروري، ويُسهم في خلق منتجات أبسط، أكثر كفاءة، وأسهل في الصيانة والتطوير. هذه البساطة في التصميم تعني موارد أقل مستهلكة، ومستخدمين أكثر رضا.

عاشراً: خلاصة تكاملية

إن فهم غرض الاستخدام ليس ترفاً فكرياً، بل ممارسة مركزية يجب أن تتخلل كل جزء من عملية التصميم والتطوير. وعندما يكون غرض الاستخدام هو البوصلة، فإن كل خاصية تُبنى تصبح لبنة في مشروع ناجح يحقق القيمة الحقيقية للمستخدم، ويُسهم في بناء منتج مُستدام، عملي، ومحبوب. يتمثل التحدي الأكبر في الانتقال من “التفكير بما يمكننا فعله” إلى “التفكير بما يحتاجه المستخدم فعلاً”، وهي نقلة نوعية لا تتحقق إلا عبر ثقافة مؤسسية تُعلي من قيمة الفهم الإنساني في قلب العمل التقني.

المراجع:

1. Norman, Donald A. The Design of Everyday Things. MIT Press.

2. Nielsen, Jakob. Usability Engineering. Morgan Kaufmann.